الصحة الحيضية تعتبر قلقاً للنساء عالمياً. في السودان، نقص المعرفة و الوعي حول الحيض، خصوصاً في المناطق القروية و مناطق الصراع، إضافةً للقيود الاجتماعية، الثقافية والدينية، يصّعب على الفتيات الإهتمام المناسب بنظافتهن خلال دورتهن الشهرية. يمكن أن ينتج عن هذا الكثير من التحديات في المنزل، المدرسة، و مكان العمل. الصحة الحيضية مهمة لإزدهارو رخاء النساء و الفتيات، و مهم للنساء و الفتيات أن يستطعن إدارة دورتهن بأمان من غير الشعور بالخزي و العار، بل بكرامة و ثقة.
طبقاً لتقرير من منظمة اليونسكو الذي استطلع العديد من من الدول في جنوب صحراء افريقيا، واحدة من كل عشر فتيات تغيب عن المدرسة خلال الحيض. هناك دراسة يوغندية وجدت أن تقريباً ثلثي فتيات المدارس في المناطق القروية يغبن عن المدرسة على الأقل مرة واحدة كل شهر بسبب الحيض. بالمثل، في إثيوبيا، أكثر من نصف فتيات المدرسة المراهقات يبقين غائبات خلال فترة الحيض.
في السودان، الموقف متشابه إلى حدٍ ما. النساء و الفتيات من خلفيات اجتماعية و اقتصادية منخفضة، خصوصاً اللائي يعشن في المناطق القروية و مناطق الصراع، يعانين من ممارسات حيضية غير صحية. النقص في المنتجات الصحية إضافةً للوصول إلى أماكن نظيفة و آمنة لمعالجة دورتهن يقود الفتيات للتغيب عن المدرسة و للشعور بعدم الأمان و و الخجل.
“ أتشارك منشفة صغيرة ممزقة مع ابنتي ذات الأحد عشر عاماً خلال فترة الحيض لأن شراء الفوط الصحية من المحلات غالٍ جداً و غير متوفر. معدات الصحة العائلية مهمة لنا. في الماضي، اعتدت أن أشعر بشعور سئ كل ما كنت في دورتي الشهرية، لم أشعر بالارتياح عند استعمال أغطيةٍ غير نظيفة، غير مريحة، غير فعالة، و يمكن أن تؤدي لمشاكل صحية جدية، بتوفير فوطٍ صحية مجانية قابلة للرمي، يمكنني إدارة صحتي بأمان، يمكنني الآن التحدث بإنفتاح عن الحيض و الفوط الصحية. أشعر أنني واثقة و قوية”
ليلى مصطفى، تعيش في مخيم في شرق دارفور و استلمت عدة نظافة عائلية من منظمة اليونسيف
الممارسات الضعيفة لإدارة الصحة الحيضية يمكن أن تنسب لثلاثة عوامل رئيسية: نقص المعرفة، نقص الوصول، و نقص التقبل.
نقص المعرفة:
بالرغم من ندرة البيانات، مختلف الدراسات أشارت إلى أن أقل من 40% من الفتيات في سن المراهقة يكن غير مدركات للحيض حتى يواجهن دورتهن الأولى. هذا يقود الفتيات للشعور بالخجل و الخوف الشديدين من طلب النصيحة الطبية. نقص المعرفة حول الحيض يؤدي للفهم الخاطئ، المحرمات، و السلوكيات والمفاهيم المجتمعية السلبية.
نقص إمكانية الوصول:
الكثير من النساء و الفتيات لا يستطعن تحمل تكاليف المنتجات الصحية، لذلك يلجأن لقطع القماش، الملابس، الورق، ملابس داخلية بطبقات، و طرق غير صحية أخرى لإدارة حيضهن. العديد من الدول، مثل كينيا و رواندا، أزالت الضرائب من منتجات الحيض. مقاطعات مثل زمبابوي قد استخدمت موارد مستدامة محلية لتصنيع المنتجات الصحية لأجل النساء.
طبقاً لمنظمة اليونسيف، عالمياً، 2.3 مليار من الناس يعيشون بدون خدمات صرفٍ صحي أساسية. في الدول النامية، 27% فقط من الناس لديهم مرافق مناسبة لغسل اليدين في المنزل. عدم القدرة على استخدام هذه المرافق يصّعب على النساء و الفتيات حديثات السن إدارة دورتهن بطريقة آمنة و كريمة.
نقص التقبل:
في إطارات ثقافية مختلفة، موضوع الحيض تمت إحاطته بالصمت. في حين أن أدب الأنثروبولوجيا يدعم أن مختلف الثقافات تاريخياً قد تبنت الحيض كممرٍ للرشد، الدم الحيضي ذات نفسه مع إدارته تم وصمه و تصوره من المحرمات. الحيض و الممارسات الحيضية في الغالب يتم تشويهها بالمحرمات و المعيقات الثقافية الإجتماعية مسببةً للفتيات المراهقات الغفلة عن الحقائق الطبية و الممارسات الصحية التي يمكن أن تؤدي إلى آثار صحية سلبية.
سألنا النساء و الفتيات عن ردة فعلهن عندما واجهن للمرة الأولى الدورة، الغالبية عبرن عن الحالة القلقة و الخائفة التي كن عليها. نقص المعرفة عن الصحة الحيضية و وصم الحيض أجبر الكثير من الفتيات أن يعانين بصمت. البعض لم يخبرن أمهاتهن حتى. الفتيات شاركن معنا كيف عانين من العدوى و التلوث و قلة الثقة:
” لم أفهم ما الذي كنت أمر به. في البداية، ظننت أنني جرحت في مكان ما و كنت أبحث عن مصدر النزيف. لم أكن مرتاحةأن أسأل أمي أو أي أحد آخر كي يشتري لي فوطاً صحية، لذلك استعملت مواداً أخرى لإدارة دورتي، من دون معرفة الآثار السلبية لاستعمال منتجات غير صحية”
” كنت مصدومة و مرعوبة. ظننت أنني فعلت شيئاً سيئاً و أن جسدي يعاقبني. ركضت لأمي لكنها أسكتتني في البداية لأنني كنت أتحدث أمام أخي. شعرت بالعار، الخجل، و بشعور سئ إزاء نفسي.”
” بحثت عن طرقٍ مختلفة لتوفير المنتجات المستخدمة خلال دورة الحيض سرياً من دون مساعدة أحد. خلال تلك الدورة، كنت غير قادرةٍ على استخدام القطن الطبي بصورة صحيحة، ذلك سبب لي حالة من التوتر خلال فترة حيضي”
فقر الدورة:
فقر الدورة مشكلة عالمية تؤثر على النساء و الفتيات اللائي ليس لديهن إما وصول لمنتجاتٍ صحية نظيفة أو المعرفة عن الحيض غالباً بسبب مشاكلٍ مادية. فقر الدورة لا يشير إلى أولئك اللاتي ليس لديهن أي وصول للمنتجات الصحية، و لكن يشير ايضاً إلى النساء و الفتيات اللاتي لديهن وصول محدود للمنتجات الصحية و ذلك يؤدي لاستعمال مطول للمنتجات التي يمكن أن تسبب العدوى والالتهابات.
فقر الدورة يلعب دوراً كبيراً في الصحة الحيضية المنخفضة التي تؤدي إلى إلتهابات الأجهزة التناسلية و البولية. بالإضافة إلى أن فقر الدورة يوقف النساء من تحقيق قدراتهن الكاملة بسبب تفويت الفرص المهمة لنموهن. يجبر فقر الدورة الفتيات أيضاً على التغيب عدة أيامٍ من المدرسة و ذلك يؤثر على أدائهن المدرسي.
“ تلبية الاحتياجات الصحية لكل الفتيات في سن المراهقة قضية أساسية لحقوق الإنسان، الكرامة، و الصحة العامة”
سانجاي ويجيسيكرا، الرئيس السابق للمياه، النظام الصحي، و النظافة لمنظمة اليونسيف
النظافة الحيضية في الأوضاع الإنسانية:
اعتباراً من عام 2017، أكثر من 26 مليون فتاة و امرأة في الحيض تمت إزاحتهن نتيجة الصراع و الكوارث في حين أن أكثر من هذا العدد تأثروا من غير أن تتم إزاحتهن. الصحة الحيضية تقريباً دائماً يتم تجاهلها و لا تدار بفعالية في محيطات ما بعد الصراع. الصراعات و الكوارث يمكن أن تترك النساء و الفتيات من غير أي وصول لمرافق صحية نظيفة و منسابة، الخصوصية التي يحتجنها للشروع في أساليب معالجة الحيض، و الوصول لمنتجاتٍ وموادٍ صحية آمنة لإدارة الحيض. يمكن أن يكون السبب هو نقص الوفرة لهذه المنتجات أو نقص التمويل لشرائها. كنتيجة، النساء و الفتيات يُجبرن على استعمال أساليب مرتجلة لإدارة الدورة، بما فيها قطع ثياب ممزقة، خُرق قذرة، و أساليب غير صحية أخرى.
مثل هذه البدائل في أغلب الأحيان تكون غير فعالة، غير مريحة، و غير صحية. يمكن أن تؤدي إلى التهابات خطيرة و تعقيدات صحية أخرى و التي يمكن أن تسبب للنساء و الفتيات إحساساً بالإنعزال خلال الدورة. في ما بعد تداعيات زلزالٍ في نيبال، النساء و الفتيات تُرِكن من دون خيار غير أن يعتمدن على استعمال الموارد المحلية المتوفرة كممتصات خلال الحيض. منتجات و معدات النظافة الحيضية لم يتم طرحها ومعالجتها كاحتياج إنساني أساسي من قبل الوكالات الإنسانية.
التعامل مع معالجة النظافة الحيضية خلال الأزمات يحتاج إلى نهجٍ و تدخلات متعددة الأوجه تتراوح من توفير مرافق صحية مناسبة و خصوصية، حماية، التثقيف في مجال الصحة الإنجابية لدعم المجتمع.
تعقيدات صحية:
قامت النساء و الفتيات في فترة الحيض بتنمية نهجٍ للتعامل مع الدورة بناءً على معرفتهن، المصادر المتوفرة و الحالات الإقتصادية و الإجتماعية الثقافية. كنتيجةٍ لهذه المحددات، النساء غالباً يعالجن الحيض بممارسات و طرق غير صحية. مثل هذه الطرق يمكن أن تؤدي لتعقيدات صحية جدية. ممارساتٌ معينة من المرجح أن تزيد من مخاطر التهابات الجهاز التناسلي التي يمكن أن تزيد من قابلية التعرض لسرطان عنق الرحم. استعمال أقمشةٍ غير نظيفة، خصوصاً إذا تم إدخالها داخل المهبل، يمكن أن تُنشأ نمو بكتيريا غير محببة في عنق و تجويف الرحم و التي قد تؤدي للإلتهاب. الإستعمال المطول لنفس الفوطة سيزيد أيضاً من خطر الإلتهاب و تهيج البشرة الذي يمكن أن ينتج عنه التهاب الجلد. النضح ( دفع السائل داخل المهبل) يزعج اتزان الخميرة المهبلية و يجعل الإلتهاب مرجحاً أكثر. إضافةً إلى ذلك، التخلص غير الآمن من المواد الصحية المستعملة يمتلك خطورة معاداة الآخرين، خصوصاً مع أمراضٍ مثل التهاب الكبد (ب). قلة غسل اليدين بعد تغيير المواد الصحية يمكن أن تؤدي أيضاً لانتشار الإلتهابات و العدوى.
لماذا لا يتم تناولها كثيراً:
بالرغم من ضرورتها، إدارة الصحة الحيضية لا تتلقى إهتماماً كافياً في الدول النامية. بما أن أولويات الصحة العالمية في الصحة الإنجابية و الجنسية هدفت لتقليل اعتلال الأمهات و معدل الوفيات و وباء فيروس نقص المناعة البشرية، كان التركيز الأساسي في الدول النامية موجهاً للفتيات في سن المراهقة بسبب قابليتهن المتزايدة للإصابة بالحمل غير المرغوب و التهاب فيروس نقص المناعة البشرية و التهابات جنسية منقولة أخرى.
الكثيرون في مجال التعليم تصوروا الحيض كأقل أهمية من نقص الموارد للكتب، الصفوف، و ضروريات أخرى، و اعتقدوا أن بدء و إدارة الحيض مسألة خصوصية، يتم التعامل معها داخل العائلة. العدد المنخفض النساء في مناصب اتخاذ-القرارات أعاق الجهود لمناصرة موضوع محرم كالحيض و أهمية إدارة الصحة الحيضية بفعالية و بقوة.
ماذا يمكن أن ينفعل؟
الطمث يبقى واحداً من أكبر المحرمات. دراسة أُجريت من قبل التحالف الدولي لصحة المرأة وجدت أن هنالك ما يقارب 5000 عبارات ملطفة مستعملة للإشارة للحيض في عشرة بلدانٍ مختلفة مما يمكن أن يشير للسلوك العام الذي يتبع الكلمة. كسر مثل هذه المحرمات و تناول احتياجات النساء الحيضية علانيةً هو خطوةٌ أولى يمكن أن نأخذها لنعلّم و نحاول أن نقلص من فقر الدورة. توفير المبادرات الحالية في السودان للفوط و المنتجات الحيضية في المناطق الأكثر تأثراً بالفياضانات كجزء من الرد الإنساني يمكن أن يعتبر كخطوة ممتازة لمعالجة و تسليط الضوء على حالة الطوارئ الخفية التي تمر من خلالها النساء في فترة الحيض.
- العمل أكثر على رفع التوعية و المعرفة بين المجتمعات المحلية لإنهاء وصمة الطمث من خلال الدعوة علانيةً.
- الدعوة لتغيرات سياسية لجعل المنتجات الحيضية سهلة المنال من خلال مناصرة مدعومة بالدلائل لمتخذي القرارات.
- العمل على تنفيذ مرافق صحية مناسبة في المجتمعات المهمشة.
- التوعية بأهمية تضمين صحة و إدارة الدورة الشهرية في التعليم و البرامج الصحية لبناء معرفةٍ للفتيات و الصبيان، و العمل على إشراك الآباء و قائدي المجتمع.
- البحث الإضافي و جمع البيانات عن آثار الصحة الحيضية على صحة و حقوق النساء.
مصادر:
https://www.wvi.org/publications?field_topics_target_id%5B761%5D=761
https://www.unicef.org/wash/files/UNICEF-Guide-menstrual-hygiene-materials-2019.pdf
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2784630/
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC5482567/
https://www.worldbank.org/en/news/feature/2019/05/24/menstrual-hygiene-day-2019
https://www.globalcitizen.org/en/content/period-poverty-everything-you-need-to-know/
https://bmcpublichealth.biomedcentral.com/articles/10.1186/s12889-018-6360-2